سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


قوله تعالى: {طسم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {طسم} بفتح الطاء وإِدغام النون من هجاء سين عند الميم. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وأبان، والمفضل: {طسم} و{طس} النمل بامالة الطاء فيهما. وأظهر النون من هجاء سين عند الميم حمزة هاهنا وفي القصص. وفي معنى {طسم} أربعة أقوال.
أحدها: أنها حروف من كلمات، ثم فيها ثلاثة أقوال. أحدها: ما رواه عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: لما نزلت {طسم} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطاء: طور سيناء، والسين: الاسكندرية، والميم: مكة». والثاني: أن الطاء: طَيْبَة، وسين: بيت المقدس، وميم: مكة، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: الطاء شجرة طوبى، والسين: سدرة المنتهى، والميم: محمد صلى الله عليه وسلم، قاله جعفر الصادق.
والثاني: أنه قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله تعالى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقد بيَّنَّا كيف يكون مثل هذا من أسماء الله تعالى في فاتحة مريم. وقال القرظي: أقسم الله بطَوْلِه وسَنائه ومُلكه.
والثالث: انه اسم للسُّورة، قاله مجاهد.
والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة، وأبو روق. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [المائدة: 15، الكهف: 6] إِلى قوله: {ألاَّ يكونوا مؤمنين} والمعنى: لعلّك قاتل نفسك لتركهم الإِيمان.
ثم أخبر أنه لو أراد أن يُنزل عليهم ما يضطرهم إِلى الإِيمان لفعل، فقال: {إِن نَشَأْ نُنَزَّلْ} وقرأ أبو رزين، وأبو المتوكل: {إِن يَشَأْ يُنَزِّلْ} بالياء فيهما، {عليهم من السماء آية فظلَّت أعناقُهم لها خاضعين} جعل الفعل أولاً للأعناق، ثم جعل {خاضعين} للرجال، لأن الأعناق إِذا خضعت فأربابها خاضعون. وقيل: لمّا وصف الأعناق بالخضوع، وهو من صفات بني آدم، أخرج الفعل مخرج الآدميِّين كما بيَّنَّا في قوله: {والشمسَ والقمرَ رأيتُهم لي ساجدِين} [يوسف: 4]، وهذا اختيار أبي عبيدة. وقال الزجاج: قوله: {فظلَّت} معناه: فتَظَلُّ، لأن الجزاء يقع فيه لفظ الماضي في معنى المستقبل، كقولك: إِن تأْتني أكرمتُكَ، معناه: أُكْرِمْكَ؛ وإِنما قال: {خاضعِين} لأن خضوع الأعناق هو خضوع أصحابها، وذلك أن الخضوع لمَّا لم يكن إِلا بخضوع الأعناق، جاز أن يخبر عن المضاف إِليه، كما قال الشاعر:
رَأتْ مَرَّ السّنِينَ أخَذْنَ مِنِّي *** كمَا أخَذَ السِّرَارُ مِنَ الهِلالِ
فلما كانت السّنون لا تكون إِلا بمَرٍّ، أخبر عن السنين، وإِن كان أضاف إِليها المرور. قال: وجاء في التفسير أنه يعني بالأعناق كبراءَهم ورؤساءَهم. وجاء في اللغة: أن أعناقهم جماعاتهم؛ يقال: جاءني عُنُق من الناس، أي: جماعة. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [الأنبياء: 2] إِلى قوله: {أَولَم يَرَو إِلى الأرض} يعني المكذِّبين بالبعث {كم أَنْبَتْنَا فيها} بعد أن لم يكن فيها نبات {من كُلِّ زوج كريم} قال ابن قتيبة: من كل جنس حسن. وقال الزجاج: الزوج: النوع، والكريم: المحمود.
قوله تعالى: {إِنَّ في ذلك} الإِنبات {لآيةً} تدل على وحدانية الله وقُدرته {وما كان أكثرُهم مؤمنين} أي: ما كان أكثرهم يؤمِن في عِلْم الله، {وإِنَّ ربَّك لَهوَ العزيز} المنتقِم من أعدائه {الرَّحيمُ} بأوليائه.


قوله تعالى: {وإِذ نادى} المعنى: واتل هذه القصة على قومك.
قوله تعالى: {أن يُكَذِّبونِ} ياء {يُكَذِّبِونِ} محذوفة، ومثلها {أن يقتلون} [الشعراء: 14] {سيهدين} [الشعراء: 62] {فهو يدين} [الشعراء: 78] {ويسقين} [الشعراء: 79] {فهو يشفين} [الشعراء: 80] {ثم يحيين} [الشعراء: 81] {كذَّبون} [الشعراء: 117] {وأطيعون} [الشعراء: 108] فهذه ثمان آيات أثبتهن في الحالين يعقوب.
قوله تعالى: {ويَضيقُ صَدْري} أي بتكذيبهم إِيّاي {ولا يَنْطَلِقُ لساني} للعُقدة التي كانت بلسانه. وقرأ يعقوب {ويَضيقَ} {ولا يَنطلقَ} بنصب القاف فيهما، {فأَرسِلْ إِلى هارونَ} المعنى: ليُعينني، فحُذف، لأن في الكلام دليلاً عليه، {ولهم عليَّ ذَنْب} وهو القتيل الذي وكزه فقضى عليه؛ والمعنى: ولهم عليَّ دعوى ذَنْب {فأخافُ أن يقتُلون} به {قال كَلاَّ} وهو ردع وزجر عن الإِقامة على هذا الظن؛ والمعنى: لن يقتلوك لأنّي لا اسلِّطهم عليك، {فاذهبا} يعني: أنت وأخوك {بآياتنا} وهي: ما أعطاهما من المعجزة {إِنَّا} يعني نفسه عز وجل {معكم} فأجراهما مجرى الجماعة {مستمِعونَ} نسمع ما تقولان وما يجيبونكما به.
قوله تعالى: {إِنَّا رسولُ ربِّ العالَمين} قال ابن قتيبة: الرسول يكون بمعنى الجميع، كقوله: {هؤلاء ضَيفي} [الحجر: 68] وقوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفْلاً} [الحج: 5]. وقال الزجاج: المعنى: إِنْا رِسالةُ ربِّ العالَمين، أي: ذوو رسالة ربِّ العالمين، قال الشاعر:
لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ ما بُحْتُ عِنْدَهُم *** بِسرٍّ وَلا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ
أي: برسالة. قوله تعالى: {أن أرسِلْ} المعنى: بأن أرسل {معنا بني إِسرائيل} أي: أَطْلِقْهم من الاستعباد، فأَتَياه فبلَّغاه الرسالة، ف {قال ألم نُرَبِّكَ فينا وَليداً} أي: صبيّاً صغيراً {ولَبِثْتَ فينا مِنْ عُمُرِكَ سِنينَ} وفيها ثلاثة أقوال.
أحدها: ثماني عشرة سنة، قاله ابن عباس.
والثاني: أربعون سنة، قاله ابن السائب.
والثالث: ثلاثون سنة، قاله مقاتل، والمعنى: فجازيْتَنا على ان ربَّيناك أن كفرت نعمتنا، وقتلت منّا نفساً، وهو قوله: {وفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ} وهي قتل النفس. قال الفراء: وإِنما نُصِبَت الفاء، لأنها مرة واحدة، ولو أُريد بها مثل الجِلسة والمِشية جاز كسرها.
وفي قوله: {وأنت من الكافرين} قولان:
أحدهما: من الكافرين لنعمتي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك، وابن زيد.
والثاني: من الكافرين بالهك، كنتَ معنا على ديننا الذي تعيب، قاله الحسن، والسدي. فعلى الاول: وأنت من الكافرين الآن. وعلى الثاني: وكنت.
وفي قوله: {وأنا من الضالِّين} ثلاثة أَقوال.
أحدها: من الجاهلين، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة. وقال بعض المفسرين: المعنى: إِني كنت جاهلاً لم يأتني من الله شيء.
والثاني: من الخاطئين؛ والمعنى: إِني قتلت النفس خطأً، قاله ابن زيد.
والثالث: من الناسين؛ ومثله {أن تَضِلَّ إِحداهما} [البقرة: 282]، قاله أبو عبيدة.
قوله تعالى: {ففرَرتُ منكم} أي: ذهبت من بينكم {لمَّا خِفْتُكم} على نفسي إلى مَدْيَنِ، وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وابن يعمر {لِمَا} بكسر اللام وتخفيف الميم، {فوهَب لي ربِّي حُكْماً} وفيه قولان:
أحدهما: النبوَّة، قاله ابن السائب.
والثاني: العِلْم والفَهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {وتلك نِعمة تَمُنُّها عليَّ} يعني التربية {أنْ عَبَّدْتَ بني إِسرائيل} أي: اتخذْتَهم عبيداً؛ يقال عبَّدتُ فلاناً وأعبدتُه واستعبدتُه: إِذا اتخذتَه عبداً.
وفي {أنْ} وجهان.
أحدهما: أن تكون في موضع رفع على البدل من {نِعْمةٌ}.
والثاني: أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض، تقديره: لأَن عبَّدتَ أو لتعبيدك.
واختلف العلماء في تفسير الآية، ففسرها قوم على الإِنكار، وقوم على الإِقرار. فمن فسرها على الإِنكار قال معنى الكلام: أو تلك نعمة؟! على طريق الاستفهام، ومثله {هذا ربِّي} [الانعام: 76]، وقوله: {فهم الخالدون} [الانبياء: 34]، وأنشدوا:
لم أنس يوم الرحيل وقفتَها *** وجفنها من دموعها شَرِقُ
وقولَها والركابُ سائرة *** تتركنا هكذا وتنطلق
وهذا قول جماعة منهم. ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال.
أحدها: أن فرعون أخذ أموال بني إِسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها، فأبطل موسى النِّعمة لأنها أموال بني إِسرائيل، قاله الحسن.
والثاني: أن المعنى: إِنك لو كنت لا تقتُل أبناء بني إِسرائيل لكفلني أهلي، وكانت أُمِّي تستغني عن قذفي في اليمِّ، فكأنك تمنُّ عليَّ بما كان بلاؤك سبباً له، وهذا قول المبرِّد، والزجّاج والأزهري.
والثالث: أن المعنى تمنُّ عليَّ باحسانك إِليَّ خاصة، وتنسى إِساءتك بتعبيدك بني إِسرائيل؟! قاله مقاتل.
والرابع: أن المعنى: كيف تمنُّ عليَّ بالتربية وقد استعبدت قومي؟! ومن أُهين قومُه فقد ذَلَّ، فقد حَبِط إِحسانك إِليَّ بتعبيدك قومي، حكاه الثعلبي.
فأما من فسرها على الإِقرار، فانه قال: عدَّها موسى نعمة حيثُ ربَّاه ولم يقتله ولا استعبده. فالمعنى: هي لعمري نعمة إِذ ربَّيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إِسرائيل؛ ف {أنْ} تدل على المحذوف، ومثله في الكلام- أن تَضرب بعض عبيدك وتترك الآخر، فيقول المتروك-: هذه نعمة عليَّ أن ضربتَ فلاناً وتركتني، ثم تحذف وتركتني، لأن المعنى معروف، هذا قول الفراءِ.


قوله تعالى: {قال فرعونُ وما ربُّ العالَمين} سأله عن ماهيَّةِ مَنْ لا ماهيَّة له، فأجابه بما يدلُّ عليه من مصنوعاته.
وفي قوله: {إِنْ كنتم موقِنين} قولان:
أحدهما: أنّه خَلَقَ السموات والأرض.
والثاني: إِن كنتم موقنين أن ما تعاينونه كما تعاينونه، فكذلك، فأيقنوا أن ربَّ العالمين ربُّ السماوات والأرض. {قال} يعني: فرعون {لِمَنْ حوله} من أشراف قومه {ألا تَستمعونَ} معجِّباً لهم.
فان قيل: فأين جوابهم؟
فالجواب: أنه أراد: ألا تستمعون قول موسى؟ فردَّ موسى، لأنه المراد بالجواب، ثم زاد في البيان بقوله: {ربُّكم وربُّ آبائكم الأوَّلِين}، فأعرض فرعون عن جوابه ونسبه إِلى الجنون، فلم يَحْفِل موسى بقول فرعون، واشتغل بتأكيد الحُجَّة، ف {قال ربُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما بينهما إِن كنتم تَعْقِلُونَ} أي: إِن كنتم ذوي عقول، لم يَخْفَ عليكم ما أقول.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8